حكم المحبة ثابت الأركان*** ما للصدود بفسخ ذاك يدان
أني وقاضي الحسن نفذ حكمها*** فلذا أقر بذلك الخصمان
وأتت شهود الوصل تشهد أنه*** حق جرى في مجلس الإحسان
فتأكد الحكم العزيز فلم يجد*** فسخ الوشاة اليه من سلطان
وأتى الوشاة فصادفوا الحكم الذي *** حكموا به متيقن البطلان
ماصادف الحكم المحل ولا هو استوفى الشروط فصار ذا بطلان
فلذاك قاضي الحسن أثبت محضرا *** بفساد حكم الهجر والسلوان
وحكى لك الحكم المحال ونقضه*** فاسمع اذا˝ يا من له أذنان
حكم الوشاة بغير ما برهان *** أن المحبة والصدود لدان
والله ما هذا بحكم مقسط *** أين الغرام وصد ذي هجران
شتان بين الحالتين فان ترد*** جمعا فما الضدان يجتمعان
يا والها هانت عليه نفسه *** اذ باعها غبنا بكل هوان
أتبيع من يهواه نفسه طائعا *** بالصد والتعذيب والهجران
أجهلت أوصاف المبيع وقدره*** أم كنت ذا جهل بذي الأثمان
واها لقلب لا يفارق طيره الأغـ*** صان قائمة على الكثبان
ويظل يسجع فوقها ولغيره *** منها الثمار وكل قطيف دان
ويبيت يبكي والمواصل ضاحك*** ويظل يشكو وهو ذو شكران
هذا ولو أن الجمال معلق*** بالنجم همّ اليه بالطيران
لله زائره بليل لم تخف*** عس الأمير ومرصد السجان
قطعت بلاد الشام ثم تيممت*** من أرض طيبة مطلع الايمان
وأتت على وادي العقيق فجاوزت*** ميقاته حلا بلا نكران
وأتت على وادي الأراك ولم يكن*** قصدا لها فألا بأن ستراني
وأتت على عرفات ثم محسر*** ومنى فكم نحرته من قربان
وأتت على الجمرات ثم تيممت*** ذات الستور وربة الأركان
هذا وما طافت ولا استلمت ولا*** رمت الجمار ولا سعت لقران
ورقت الى أعلى الصفا فتيممت*** دارا هنالك للمحث العاني
أترى الدليل أعارها أثوابه** والريج أعطتها من الخفقان
والله لو أن الدليل مكانها*** ما كان ذلك منه في امكان
هذا ولو سارت مسير الريح ما*** وصلت به ليلا الى نعمان
سارت وكان دليلها في سيره*** سعد السعود وليس بالدبران
وردت جفار الدمع وهي غزيرة*** فلذاك ما احتاجت ورود الضان
وعلت على مين الهوى وتزودت***ذكر الحبيب ووصلة المتداني
جهم بن صفوان وشيعته الألى*** جحدوا صفات الخالق الديان
بل عطلوا منه السموات العلى*** والعرش أخلوه من الرحمن
ونفوا كلام الرب جل جلاله*** وقضوا له بالخلق والحدثان
قالوا وليس لربنا سمع ولا*** بصر ولا وجه، فكيف يدان
وكذاك ليس لربنا من قدرة*** وإرادة أورحمة وحنان
كلا ولا وصف يقوم به سوى*** ذات مجردة بغير معان
وحياته هي نفسه وكلامه*** هو غيره فاعجب لهذا البهتان
وكذاك قالوا ما له من خلقه***أحد يكون خليله النفساني
وخليله المحتاج عندهم وفي*** ذا الوصف يدخل عابد الأوثان
فالكل مفتقر اليه لذاته*** في أسر قبضته ذليل عان
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ*** ـقسري يوم ذبائح القربان
اذ قال ابراهيم ليس خليله*** كلا ولا موسى الكليم الداني
شكر الضحية كل صاحب سنة*** لله درك من أخي قربان
والعبد عندهم فليس بفاعل*** بل فعله كتحرك الرجفان
وهبوب ريح أو تحرك نائم*** وتحرك الأشجار للميلان
والله يصليه على ما ليس من*** أفعاله حر الحميم الآن
لكن يعاقبه على أفعاله*** فيه تعالى الله ذو الاحسان
والظلم عندهم المحال لذاته*** أنى ينزه عنه ذو السلطان
ويكون مدحا ذلك التنزيه ما*** هذا بمقبول لدى الأذهان
وكذلك قالوا ماله من حكمة*** هي غاية للأمر والاتقان
ما ثم غير مشيئة قد رجحت*** مثلا على مثل بلا رجحان
هذا وما تلك المشيئة وثفه*** بل ذاته أو فعله قولان
وكلامه مذ كان غيرا كان مخـ *** ـلوقا له من جملة الأكوان
قالوا واقرار العباد بأنه*** خلاقهم هو منتهى الايمان
والناس في الايمان شيء واحد*** كالمشط عند تماثل الأسنان
فاسأل أبا جهل وسيعته ومن*** والاهم من عابدي الأثوان
وسل اليهود وكل أقلف مشرك*** عبد المسيح مقبل الصلبان
واسأل ثمود وعاد بل سل قبلهم*** أعداء نوح أمة الطوفان
واسأل أبا الجن اللعين أتعرف الـ *** خلاق أم أصبحت ذا نكران
واسأل شرار الخلق أغلى أمة*** لوطية هم ناكحو الذكران
واسأل كذاك أمام كل معطل*** فرعون مع قارون مع هامان
هل كان فيهم منكر للخالق الـ *** ـرب العظيم مكوّن الأكوان
فليبشروا ما فيهم من كافر*** هم عند جهم كاملوا الايمان
وقضى بأن الله كان معطلا***والفعل ممتنع بلا امكان
ثم استحال وصار مقدورا له*** من غير أمر قام بالديان
بل حاله سبحانه في ذاته*** قبل الحدوث وبعدها سيان
وقضى بأن النار لم تخلق ولا*** جنات عدن بل هما عدمان
فإذا هما خلقا ليوم معادنا*** فهنا على الأوقات فانيتان
وتلطف العلاف من أتباعه*** فأتى بضحكة جاهل مجان
قال الفناء يكون في الحركات لا*** في الذات واعجبا لذا الهذيان
أيصير أهل الخلد في جناتهم*** وجحيمهم كحجارة البنيان
ما حال من قد كان يغشى أهله*** عند انقضاء تحرك الحيوان
وكذاك ما حال الذي رفعت يدا*** ه أكلة من صفحة وخوان
فتناهت الحركات قبل وصولها*** للفم عند تفتح الأسنان
وكذاك ما حال الذي امتدت يدا*** منه الى قنو من القنوات
فتناهت الحراكت قبل الأخذ هل*** يبقى كذلك سائر الأزمان
تبا لهاتيك العقول فانها*** والله قد مسخت على الأبدان
تبا لمن أضحى يقدمها على ال*** آثار والأخبار والقرآن
وقضى بأن الله يعدم خلقه*** عدما ويقلبه وجودا ثان
العرش والكرسي والأرواح وال*** أملاك الأفلاك والقمران
والأرض والبحر المحيط وسائر ال*** أكوان من عرض ومن جثمان
كل سيفنيه الفناء المحض لا*** محض الوجود اعادة بزمان
هذا المعاد وذلك المبدا الذي*** جهم وقد نسبوه للقرآن
هذا الذي قاد ابن سينا والألى*** قالوا مقالته الى الكفران
لم تقبل الأذهان ذا وتوهموا *** أن الرسول عناه بالايمان
هذا كتاب الله أنى قالوا ذا*** أو عبده المبعوث بالبرهان
أو صحبه من بعده أو تابع*** لهم على الايمان والاحسان
بل صرح الوحي المبين بأنه*** حقا مغير هذه الأكوان
فيبدل الله السموات العلى*** والأرض أيضا ذات تبديلان
وهما كتبديل الجلود لساكني النـ*** ـيران عند النضج من نيران
وكذاك يقبض أرضه وسماءه*** بيديه ما العدمان مقبوضان
وتحدث الأرض التي كنا بها*** اخبارها في الحشر للرحمن
وتظل تشهد وهي عدل بالذي*** من فوقها قد أحدث الثقلان
أفيشهد العدم الذي هو كاسمه*** لا شيء، هذا ليس في الامكان
لكن تسوى ثم تبسط ثم تشـ***ـهد ثم تبدل وهي ذات كيان
وتمد أيضا مثل مد اديمنا*** من غير أودية ولا كثبان
وتقيء يوم العرض من أكبادها*** كالاسطوان نفائس الأثمان
كل يراه بعينه وعيانه*** ما لامرئ بالأخذ منه يدان
وكذا الجبال تفتّ فتا˝ محكما*** فتعود مثل الرمل ذي الكثبان
وتكون كالعهن الذي ألوانه*** وصباغه من سائر الألوان
وتبس بسا مثل ذاك فتنثني*** مثل الهباء لناظر الانسان
وكذا البحار فانها مسجورة*** قد فجرت تفجير ذي سلطان
وكذلك القمران يأذن ربنا*** لهما فيجتمعان يلتقيان
هذي مكوّرة وهذا خاسف*** وكلاهما في النار مطروحان
وكواكب الأفلاك تنثر كلها*** كلآلئ نثرت على ميدان
وكذا السماء تشق ظاهرا*** وتمور أيما موران
وتصير بعد الانشقاق كمثل ها*** ذا المهل أو تك وردة كدهان
والعرش والكرسي لا يفنيهما*** أيضا وأنهما لمخلوقان
والحور لا تفني كذلك جنة الـ*** مأوى وما فيها من الولدان
ولأجل هذا قال جهم انها*** عدم ولم تخلق الى ذا الآن
والأنبياء فانهم تحت الثرى*** أجسامهم حفظت من الديدان
ما للبلى بلحومهم وجسومهم*** ابدا وهم تحت التراب يدان
وكذلك الأرواح لا تبلى كما*** منه تركب خلقة الانسان
وكذاك عجب الظهر لا يبلى بل*** تبلى الجسوم ولا بلى اللحمان
ولأجل ذلك لم يقر الجهم ما ال*** ارواح خارجة عن الأبدان
لكنها من بعض أعراض بها***قامت وذا في غاية البطلان
فالشأن للأرواح بعد فراقها*** أبدانها والله أعظم شأن
إما عذاب او نعيم دائم*** قد نعمت بالروح والريحان
وتصير طيرا سارحا مع شكلها*** تجني الثمار بجنة الحيوان
وتظل واردة لانهار بها*** حتى تعود لذلك الجثمان
لكن أرواح الذين استشهدوا*** في جوف طير أخضر ريان
فلهم بذاك مزية في عيشهم*** ونعيمهم للروح والأبدان
بذلوا الجسوم أربهم فأعاضهم*** أجسام تلك الطير بالاحسان
ولها قناديل اليها تنتهي*** مأوى لها كمساكن الانسان
فالروح بعد الموت أكمل حالة*** منها بهذي الدار في جثمان
وعذاب أشقاها أشد من الذي*** قد عاينت أبصارنا بعيان
والقائلون بأنها عرض أبوا*** ذا كله تبا لذي نكران
وإذا أراد الله إخراج الورى*** بعد الممات الى المعاد الثاني
ألقى على الأرض التي هم تحتها*** والله مقتدر وذو سلطان
مطرا غليظا أيضا متتابعا*** عشرا وعشرا بعدها عشران
فتظل تنبت منه أجسام الورى*** ولحومهم كمنابت الريحان
حتى إذا ما الأم حان ولادها*** وتمخضت فنفاسها متدان
أوحى لها رب السماء فشققت*** فبدا الجنين كأكمل الشبان
وتخلت الأم الولود وأخرجت*** أثقالها أنثى ومن ذكران
والله ينشئ خلقه في نشأة*** اخرى كما قد قال في القرآن
هذا الذي جاء الكتاب وسنة الـ***ـهادي به فأحرص على الايمان
ما قال ان الله يعدم خلقه*** طرأ كقول الجاهل الحيران
وقضى بأن الله ليس بفاعل*** فعلا يقوم به بلا برهان
بل فعله المفعول خارج ذاته*** كالوصف غير الذات في الحسبان
والجبر مذهبه الذي قرت به*** عين العصاة وشيعة الشيطان
كانوا على وجل من العصيان ذا*** هو فعلهم والذنب للانسان
واللوم لا يعدوه اذ هو فاعل*** بإرادة وبقدرة الحيوان
فأراحهم جهم وشيعته من ألـ*** لوم العنيف وما قضوا بأمان
لكنهم حملوا ذنوبهم على*** رب العباد بعزة وأمان
وتبرأوا منها وقالوا انها*** أفعاله ما حيلة الانسان[/center]